عبد الله البردوني
“تَرْجَمَةٌ رَمْلÙيَّةٌ Ù„Ùأَعْرَاس٠الْغÙبَارٔ
قراءة خاصة
{1} للبردوني – رØمه الله! – بضع عشرة مجموعة
شعرية، بدأت رØلة صدورها سنة Ø¥Øدى وستين وتسعمائة وأل٠للميلاد، ÙˆØالت ÙˆÙاته ÙÙŠ سنة تسع وتسعين وتسعمائة Ùˆ أل٠دون غايتها. من ثم أعتمد ÙÙŠ رؤيته على سابق قراءتي للتسع الأولى منها التي Øصلت لي، ثم على النظر الØاضر ÙÙŠ مجموعته الثامنة “ترجمة رملية لأعراس الغبار” الصادرة سنة ثلاث وثمانين، بعد أربع سنوات من المجموعة السابقة لها، وقبل ست عشرة من ÙˆÙاته، أي ÙÙŠ زمان Ùورة نهجه الجديد وأوج اضطرامه.
رسائل البردوني
يبث البردوني ÙÙŠ شعره ثلاث رسائل متداخلة: القومية، والوطنية، والاشتراكية، بادي التعصب ÙÙŠ الأولى والثانية، والسخط ÙÙŠ الأخرى، دون أن يخرج ÙÙŠ أي من ذلك عن العÙرْ٠إلى النّÙكْر.
[divider]
{2} Øينما يقرأ لأمته الك٠يعجب:
“هل هذا الجاري Ù…Ùهوم يبدو مـجهولا معلوم . . .
أدري أني Ù…Øتـل وأرى Ùوقـي خيـل الـروم
أدري لكن ما الجـدوى من علمي إني موصوم
هل يبنيني إدراكي أني مـن أصـلي مهـدوم
هـل يشÙÙŠ من أزمـاتي تـرديدي إني مأزوم” ص157ØŒ 169
ÙˆØينما يسرد علامات العالم المستØيل يقول:
“قيل تنشق بذرة عنه يوما قيل تدمي البروق عنه السØابا
ربما كان تØت Øزن الدوالي وقريبا يجتـاز ذاك الـØجابا” ص187
إنه يرى ÙÙŠ ك٠أمته تهاويل لا تصدق، وهي قائمة واقعة بها، يعلمها كل من ينتمي إليها، كما يعلم أن علمها ÙˆØده غير مجد شيئا. وربما Øمله على استعمال ذلك القالب ÙÙŠ بناء قصيدته، ما يبدو عليه ابن هذه الأمة العالم بواقعها الØزين، من عدم مبالاة به، وكأنه يتوهمه ولا يراه، غير أن الشاعر لا يملك إلا أن ÙŠØ·Ù…Ø Ø¥Ù„Ù‰ واقع سعيد وإن بدا مستØيلا.
[divider]
{3} ÙˆØينما يسمر مع أم ميمون بØكايا Ù…Ùاخر اليمن يقول:
“آباؤكـم كانوا أعز على ذهب المعز وكل ما يغوي
ماذا أقص اليوم كم سقطوا والموت لا يغÙÙˆ ولا يثوي
كان Ø§Ù„ØµØ¨Ø§Ø ÙƒØ£Ù†Ù Ø£Ù…Ø³ÙŠØ© كان الدجى كالملعب الجوي
والآن هل ألقى معازÙÙ‡ زمن الأسى كي يبتدي شدوي
وتنØÙ†Øت كي تبتدي خبرا Ùبكت Ùغاص أمر ما تØوي
Øدث الذي والدمع يسبقها ويقول عنها غير ما تطوي”. ص228-229
إنه يمجد زمان البطولات العزيز السالÙØŒ ويريد أن ينعم بعاقبته الواقعة غير أنه لا يستطيع أن يخدع Ù†Ùسه، Ùالواقع اليمني كالواقع العربي، Øزين.
[divider]
{4} ÙˆØينما يتÙقد Øوادث هذا الواقع اليمني العربي، ويتسمع إلى صخب دعوات أبواقه المزيÙØ© وشعاراته الطارئة الجوÙاء، يراها أعراس غبار لا أصل لها، رØÙ‰ تطØÙ† قرونا- كما قال المعري ÙÙŠ مثلها- Ùيقول:
“يا Ø±ÙŠØ Ù‡Ù„ تعطـين غير قش من أين تاريخ الركام بعلي
غدا تـراني أستـهل عهـدا لأنني ضـيعت مستهـلي
ÙÙŠ القلب شيء يا زمان أقوى لا تنعط٠من أجله وأجلي
Ø£Øب ما تـولين مـن عطـايا يا هـذه الأيام أن تولي”. ص30
Ùليس ثم عطاء إلا الوهم، ولا اشتراك إلا ÙÙŠ العدم بالغنى وبالÙقر جميعا، إذ لا قيمة لغنًى Ù…ÙبْطÙر ولا Ù„Ùقر Ù…ÙقْعÙد.
[divider]
{5} ولقد كان من آثار عصبيته القومية كثرة استعمال Ù…Ùردات الثقاÙØ© العربية، Ø£Øداثا وشخوصا وعلوما ÙˆÙنونا، Ùهي متغلغلة ÙÙŠ قصائد المجموعة التي تنوب عن المجموعات الأخرى Ø£Øسن نيابة، Øتى إن الشاعر يخص ذلك Ø£Øيانا بالقصيدة Øين ØªØµÙ„Ø Ø§Ù„Ù…Ùردة الثقاÙية العربية، رمزا خالدا لقضاياه الثلاث السابقات ØŒ كما Ùعل ÙÙŠ قصيدتيه “وردة من دم المتنبي”ØŒ Ùˆ”تØولات يزيد بن Ù…Ùرغ الØميري”ØŒ يقول ÙÙŠ الأولى:
“شاخ ÙÙŠ نعله الطريق وتبدو كل شيخوخة صبىً مدلهما
كلما انهار قاتل قام أخزى كان يستخل٠الذميم الأذما
هل طغاة الورى يموتون زعما يا منايا كما يعيشون زعما
أين Øتمية الزمان لماذا لا يـرى للتØـول الـيوم Øتما
هل يجاري ÙˆÙÙŠ Øناياه Ù†Ùس أنـÙت أن تØـل طينا Ù…Øمى…
التعاري٠تجتليه وتغضي ألتناكير عنـه تـرتد كلــمى
كلهم يأكلونه وهو طاو كلهم يشربونـه وهـو أظـما
كلهم لا يرونه وهو Ù„ÙØ ØªØت أجÙانهم من الجمر Ø£Øـمى
Øاولوا Øصره Ùأذكوا Øصارا ÙÙŠ Øناياهم يدمي ويـدمى
جرب الموت Ù…Øوه ذات يوم وإلى اليوم يقتل الموت Ùهما”. ص56ØŒ60-61
يبرز المتنبي ÙÙŠ القصيدة Ùارسا متØققا بمعنى الÙروسية، عالي الهمة، Ø·Ø§Ù…Ø Ø§Ù„Ø£Ù…Ù„ØŒ شديد الأنÙØ©ØŒ يريد الجليل الأسمى لأمته ووطنه ونÙسه، ويضيق بالØقير الأدنى، المستولي على أمته ووطنه ونÙسه، Ùيشذ عن الخضوع له غير عابئ بما يصيبه من تضييع وتقتيل، ÙيضيّÙع هو Ù†ÙسÙÙ‡ تضييعَه ويهتدي، ويقتّÙÙ„ هو Ù†ÙسÙÙ‡ تقتيلَه ويعيش!
ومن عصبيته القومية وقوÙÙ‡ ÙÙŠ شعره عند العمودي ØŒ Ùلم يتجاوزه إلا ÙÙŠ قصيدتين من سبع وثلاثين، استعمل المشطر ÙÙŠ الأولى- وهو نمط من التجديد العروضي قديم- وتعديد القاÙية ÙÙŠ الأخرى، ثم استعمل عشرة بØور، لبعضها عنده أكثر من صورة، ثم استعمل ÙÙŠ روي القاÙية واØدا وعشرين ØرÙا من Øرو٠المعجم بين المعرو٠بكثرة الوقوع رويا كالراء والميم واللام والنون، والمعرو٠بقلته كالكا٠والشين والواو والهاء، والمعرو٠بندرته كالطاء والغين والثاء والذال.وأنا لا أخلي ذلك من أثر عماه.
لقد انقسم الشعراء منذ قديم طوائ٠أغرت العلماء بالنظر إليهم من جهتها، عسى أن يكون لها ÙÙŠ شعرهم من أثر٠وجَّههم إلى ما اتجهوا Ùيه إليه، Ùدرس لويس شيخو شعراء النصرانية، ودرس بعض أصØابنا شعراء الدعوة الإسلامية، ودرس الدكتور عبده بدوي الشعراء السود، ودرس الدكتوران عبدالØليم ØÙني ويوس٠خلي٠كل على Øدة، الشعراء الصعاليك، ودرس آخرون الشعراء اللصوص، ولا تقل طائÙØ© العميان عن تلك أهمية، بل ربما زادت عليها، إذ الصورة التي أصابها عماهم، موطن٠عبقرية الشعراء. والØÙ‚ أن للجاØظ رسالة طريÙØ© ÙÙŠ البرصان والعرجان والعميان والØولان، ربما استطرد Ùيها إلى ما ÙŠÙيد ÙÙŠ ذلك.
لقد أستطيع أن أقول معتمدا على سابق اطلاعي على شعر الأعشَيْن وبشار والعكوّك والمعري والØبسي العماني والبردوني اليمني، وعلى شعر بعض زملائي من العميان، إن هذه الطائÙØ© أشد تمسكا بالعمودي ومبالغة ÙÙŠ الأخذ به، على رغم أن التجديد Øولهم من قديم وقد اطلعوا عليه، ولا ريب ÙÙŠ أن لعماهم أثرا؛ إذ يستوÙز سمعهم ويتعلق بما ألÙÙ‡.
[divider]
{6} ولقد كان من آثار عصبية البردوني الوطنية كثرة استعمال Ù…Ùردات الثقاÙØ© اليمنية، Ø£Øداثاً وشخوصا وعلوما ÙˆÙنونا متغلغلة ÙÙŠ قصائد المجموعة على النØÙˆ السال٠ÙÙŠ آثار العصبية القومية، Ù†Ùسه، Ùالرسائل متداخلة كما سبق أن ذكرت، غير أن الأمر هنا أشد وضوØا لشدة Øضور الوطن الخاص والأهل، بالقياس إلى الوطن العام والأمة. وليك٠دليلا أن البردوني Øينما تØدث عن قصائده ÙÙŠ قصيدته “الصديقات”ØŒ قال:
“هن أنى ذهبن وجه بلادي جئن عنه وجئن منه اختصارا
أي أسمائهن أشـذى نثـيثا أي أوصاÙهن أشهى ابتكارا
قد أرى هذه تعزا وتبدو تـلك صنعا هاتيك تبدو ذمارا
تلك تبدو بيØان هاتيك إبا تلك Ù„Øجا هذي ØªÙ„ÙˆØ Ø¸Ùارا
قد أسمي هذا سعادا وأدعو هـذه وردة وهـذي النوارا
هن ما شئت من أسام وإني كيÙما شئن لي أمـوت اختيارا”. ص12 –13
إنه يرى ÙÙŠ قصائده معالم اليمن، لأنه يرى ÙÙŠ معالم اليمن قصائده، تخرج القصيدة مبنى كالمبنى أو طريقا كالطريق أو جبلا كالجبل أو مدينة كالمدينة أو Ùتاة كالÙتاة، عÙوا لا قصدا وقصدا لا عÙوا لأن غايته اليمن ولأن اليمن غايته، ÙÙŠ نمط Ùريد من الØلول أو الاتØاد بين الشعر والوطن. ويتصل بذلك عشقه الأمكنة الطبيعية وكرهه الأمكنة الصناعية، وكأنه يرى الأولى خالصة لليمن والأخرى مشوبة بغيره:
“Ùتموت صنعا وهي توقد Ùوق نهديها النيون
ويقال تولم للردى وتصوغ من دمها الصØون”. ص16
[divider]
{7} وقد كان من آثار سخطه الاشتراكي، أن أنكر على الÙقير قعوده عن Øقه، كما أنكر على الغني بطره، وأن أنكر على المØكوم استكانته، كما أنكر على الØاكم طغيانه، يقول ÙÙŠ قصيدته “زامر الأØجار”:
“موطني أدعوك من تØت الخناجرْ والى زنديك من موتي أساÙرْ…
موطني هل أكش٠الغور أما يوجز Ø§Ù„Ø¨Ø±Ù‚Ù Ø§Ù„Ù…ØµØ§Ø¨ÙŠØ Ø§Ù„Ø³ÙˆØ§Ù‡Ø±â€¦
يرتقي العهر على العهر إلى آخر المرقى لأن الـسوق عـاهر
ولأن الشارع الشعبي على زØمة الأهل لغير الأهـل شـاغر
هذه الموضات أعراس بلا أي عرس هكذا الموت المعاصــر
أيها الأسواق من ذا ها هنا إنها ملأى ولــكن مـن Ø£Øاور
ذلك الدكان يعطي غير ما عنده هذا بلا Øــق يــناور
ذاك ماخور بلا واجــهة ذاك ذو وجــهين ودّيّ ونـاÙر
كل شيء رائج منتعــش هل سوى الإنسان معروض وبائر
تلك أصوات أناس لا أعـي أي ØØ±Ù Ø£ØµØ¨Ø Ø§Ù„Ø¥Ø³Ù…Ù†Øª هادر
يا Ùتى يا ذلك الآتي إلى غــيره يرنــو ØµØ¨Ø§Ø Ø§Ù„Ø®ÙŠØ± صابر
سنة تبØØ« عن بيت سدى أتعب التÙتيــشَ مسعود وشاكر
إن هداك البØØ« عن بيت إلى مقعد ÙÙŠ أي مقهى لست خاسر”. ص137ØŒ 140ØŒ 142-144
ØµØ¨Ø§Ø Ø§Ù„Ø®ÙŠØ± شاكر، ÙˆØµØ¨Ø§Ø Ø§Ù„Ø´Ø± ثائر، Ùيا أيها الÙتى الوطن الصابر على عهر سوق هذا الزمن، إن عثرت بموضع لرجليك ÙÙŠ أي مكان مبتذل، ÙاÙØ±Ø Ø¨Ù‡ بيتا عظيم المأوى، ولا تَشَكَّ خسران الصÙقة؛ Ùقد رضيت أن ÙŠÙمنع من الØÙ‚ أهله، وأن تÙعشي العيونَ أضواء٠الزيÙØŒ وأن ÙŠÙميَّز بعض الناس من بعض بغير ØÙ‚ØŒ وأن يصير الرياء دينا، والإنسان سلعة يطغى على صوته الØÙŠØŒ صوت المال والجاه الإسمنتي.¬
وسائل البردوني
اتخذ البردوني لرسائله المتداخلة، ثلاث وسائل متداخلة مثلها، متÙاوتة الأداء هي: السخرية، والØوار، والتصوير.
[divider]
{8} أما السخرية Ùشرْط الأدب Ùيما أرى، لابد من أن يشتمل شاديه على مقدار منها ÙÙŠ طبيعته، Ùإن منزلته تكون عند منتهى سخريته. وما ذلك إلا لما تتسرب إليه السخرية من Ù…Ùارقات ÙÙŠ الØياة، هي أعمق ما ÙŠØ·Ù…Ø Ø§Ù„Ø£Ø¯Ø¨ إلى تناوله.
لقد ÙÙطر البردوني على السخرية، وأشعلها لديه ضيق Øاله وهو المبدع الموهوب، وسعة Øال غيره من المترÙين الغÙÙ„Ù- كما قال ÙÙŠ مقدمة أعماله الكاملة-ØŒ وهي أول ما اطلع عليه من Ù…Ùارقات، ثم زادها اشتعالا غرامه بالاطلاع على تراث الهجاء، يتعزى به- كما قال- عن الØرمان.
لقد سخر من قومه Ù…Ùرّ السخرية ØŒ ÙÙŠ قصيدته “من Øماسيات يعرب الغازاتي”ØŒ Ùقال:
“Ù†ØÙ† Ø£ØÙاد عنتره Ù†ØÙ† أولاد Øيدره
كلنا نسل خالد والسيو٠المشهره
يعربيون إنما أمـنا الـيوم لنـدره
أمراء ÙˆÙـوقـنا عـين ريجنْ مؤمره
وسكاكيننا على أعين الشعب مخبÙره
Ù†ØÙ† للمعتدي يد وعلى الشعب مجزره
كلنا سادة الرمـاØ* والـÙØªÙˆØ Ø§Ù„Ù…Ø¹Ø·Ø±Ù‡
كل ثقب لنا به خـبرة الديك بـالذره
ÙÙŠ الملاهي لنا الأمام* ÙÙŠ الØروب المؤخره
Øين صهيون يعتدي ÙŠØµØ¨Ø Ø§Ù„ÙƒÙ„ مقبره”. ص230 – 231
* هكذا ، وقد انكسر منه ، ولو قال : ( سادة الشرى ، لنا الذرى ) مثلا ، لانجبر .
وسخر من وطنه مر السخرية ØŒ ÙÙŠ قصيدته “ترجمة رملية لأعراس الغبار”ØŒ Ùقال:
“أيا التي سميتها بلادي بلاد مـن يا زيـ٠لا تقـل لي
بلاد من يا عاقرا وأما ويا شـظايا تصـطلي وتÙصْـلي
يا ظبية ÙÙŠ عصـمة ابن آوى يا ثعلبا تØت قميص Ù…Ùشْلي
يا Ø·Ùلة ÙÙŠ أسرها تغني ويا عـجوزا ÙÙŠ الـدجى تÙـلي
يا Øلوة دوديـة التشـهي يا بهرجـا من أشنع التØلي
همست للقواد هـا صدري وقلت للسكين هاك Ø·Ùلي
وللغراب البس Ùمي وكÙÙŠ وللجراد اسكن جذور Øقلي
Ùهل تبقى الآن مـنك مـني شيء سـوى لعلّها لعـلي”. ص25 – 26
وسخر من علاقة الÙقراء بالأغنياء والرعية بالأمراء، مر السخرية ØŒ ÙÙŠ قصيدته “بنوك وديوك”ØŒ Ùقال:
“لنا بطون ولديكم بنوكْ هـذي المآسي نصـبتكم ملـوكْ…
يا ضعÙنا تبدو لهم ساÙرا يا ضعÙهم هيهـات أن يدركـوك
لكـم سجـون ولنـا عنـكم تجـادل مثـل نقار الديوك
عنـا تـلوكون اللـغات الـتي نعني سواها أي همس نلوك
ظنونكم عنـا يقينـية يقيـننا عنـكم كخـو٠الشـكوك
لنا مناقير Øمامـية لكـم مـدى عطشى وجبن سَÙوك”. ص150ØŒ 152
بل قد سخر من Ù†Ùسه مر السخرية، ÙÙŠ قصيدته “لعينيك يا موطني”ØŒ Ùقال:
“لأني رضيـع بـيان وصرÙÙ’ أجوع Ù„Øر٠وأقتات ØرÙÙ’
لأني ولدت ببـاب النـØاة أظـل أواصـل هرÙا بهرÙ
أنوء بوجه كأخبار كان بجنبين من Øـر٠جـر وظـرÙ
أعندي لعينيك يا موطني سوى الØر٠أعطيه سكبا وغرٔ.ص7
Ùبعد أن سخر من الجعجعة العربية بالقوة والجرأة والنخوة، والمجعجعون جميعا أسرى الضع٠والجبن والذل، وسخر من الجعجعة اليمنية بالأمن والØماية والرَّغَد، وما ثم إلا الخو٠والأسر والخراب، وسخر من بطر الأغنياء وضع٠الÙقراء وطغيان الأمراء واستكانة الرعية- تÙكر ÙÙŠ Ù†Ùسه وما ÙŠÙعله لتغيير الواقع الØزين إلى Ø£Ùضل منه، Ùلم يجد Ù†Ùسه تجاوز الكلام، Ùسخر من صنعته المØدودة مهما Øاول سكب الهر٠بغر٠الØرÙ.
ويبدو لي أن من سخريته، عزوÙÙ‡ عن العشق والغزل والتشبيب والنسيب، ولسان Øاله يقول: أنى لي وأنا السجين الØزين المسكين، أن أتطلع إلى خواطر الطلقاء السعداء ونزغات المترÙين!
ومن سخريته الوثيقة الصلة بعماه، إنطاقه الجوامد والمجردات، بالÙلسÙØ© الملائمة، وكأنه يستأنس بها وهي التي تشاركه دون غيرها، Øله وترØاله، وصØوه ونومه، ÙÙŠ Øين أن الناس مهما جالسوه، منÙضون عنه- لا Ù…Øالة- ÙÙŠ وقت ما.
إنه متى اقترنت بعماه ÙˆØدته، سلط عقله على ما Øوله، وتلبسه، ثم جعل يتكلم عنه، Ùتجد عندئذ للجبل ÙلسÙØ© (جبليَّة)ØŒ وللرصي٠ÙلسÙØ© (رصيÙيَّة)ØŒ وللجدار ÙلسÙØ© (جداريَّة)ØŒ ولليل ÙلسÙØ© (ليليَّة)!
قال ÙÙŠ قصيدته (Øوارية الجدران والسجين):
” هيا يا جدران الغرÙØ© قـولي شيـئا خـبرا طـرÙÙ‡
تاريخا منسيا Øلمـا ميـعادا ذكـرى عـن صـدÙÙ‡
أشعارا سجعا ÙلســÙØ© بغـبار الدهــشة ملتـÙÙ‡
ÙÙŠ قلبي ألسنة الدنيا لكــن لــÙمي عنـها عـÙÙ‡
الصمت Øوار Ù…Øتمل والهجــس أدل مـن الــزÙÙ‡
إطلاق الأØر٠ØرÙتكم اخــترت الصمت أنا ØرÙÙ‡
أو قل ما اخترت ولا اخترتم طبـعتنا العــادة والألÙÙ‡
Øسنا ألديك سوى هذا إجهادي مـن طـول الـوقÙÙ‡
من صـ٠ركـامي لا يـدري أني أوجـاع مصطـÙÙ‡”. ص103/ 107- 108
كأنه ÙÙŠ أول كلامه ÙŠÙدل بقدرته السØرية على إنطاق الجوامد بالÙلسÙØ© الملائمة، Ùتنطق الجدران بأنها تشتمل على أسئلة الدنيا وتع٠عنها معتمدة بلاغة الصمت، ثم تبدو لها دعواها أعرض مما ينبغي، Ùترى الصمت طبيعتها والنطق طبيعة غيرها، ÙيستØسن الشاعر السجين بينها منطقها، Ùيستزيدها، ÙØªØ¨ÙˆØ Ø¨ØªØ¹Ø¨Ù‡Ø§ من طول الوقÙØ©ØŒ وبأن إضاÙØ© اللبنة الى اللبنة Ùيها، كانت منذ البدء إضاÙØ© الوجع إلى الوجع.
وينبغي لي أن أذكر أنه خطر لي كلام للدكتور إبراهيم السامرائي سمعته منه ÙÙŠ مجلس أستاذي أبي Ùهر Ù…Øمود شاكر ÙÙŠ مبتدأ التسعينيات، يص٠Ùيه شعر البردوني بالركاكة، Ùرغبت هنا ÙÙŠ بيان أنه ربما تعمد ذلك عÙØ© منه عن دلالة الجزالة، وخشية لتهمتها، وأن ذلك من تمام سخريته التي لن تؤديها له على أقسى ما تكون، إلا تعابير صØÙية أو لهجية دارجة، Ùارقا بين هذه اللغة وبين العروض الذي تمسك بعموديه، لتستمر ÙÙŠ كل قصيدة المÙارقة التي هي مبعث السخرية، ثم أقبلت Ø£Ùتش المجموعة المختارة ذهابا وإيابا، عن شواهد لتلك الÙكرة الخاطرة، Ùما وجدت لها شيئا، إلا أن أتكل٠الØديث عن الأسماء اللهجية والأعجمية، أو الاقتباسات من الأغاني أو العبارات الخاصة اللهجية، وهو ما لا مغمز Ùيه ولا مؤاخذة به.
بل ازداد عجبي من البردوني، Øينما عثرت بقصيدته “زَوّار الطواشي” أي زوار الØÙŠ الصنعاني القديم ذي الØمام التركي الشهير، واستبشرت أن تشهد للركاكة شهادة عليا، Ù„Ùكرتها التي ينبغي أن تجر الشاعر الساخر إلى الركاكة، Ùما شهدَتْ. يقول Ùيها:
“كان يرتاد الطـواشي راكبـا بغلا وماشي
تارة يلبس طمرا تـارة أزهـى التـواشي
كان يخشى من يراه كــل راء منه خاش
لي هنا Øام كأهل ÙˆØمى يبــغي انتهاشي
ما لهم يكسون جذعي أعينا تØسو مشاشي
هل دروا أوطار قلبي من ضموري وانتÙاشي
ألÙوا الدهشة مني وأنا طــال انـدهاشي
جاوزوا دور التوقي كي٠أجتاز انكماشي”. ص208 – 209
وهكذا يستمر Ùيها بالجزالة لا الركاكة، غير أن سهولة كلامه وتØدره وتدÙقه قريبا من المتلقي ممتزجا به، يوهم من لم يطلع على Øقيقة الجزالة ÙÙŠ الكلام العربي، بركاكته.
[divider]
{9} أما الØوار Ùباب البردوني إلى أنس الØرية، الذي هرب به من ÙˆØشة أسر العمى والØزن والوØدة، باب انÙØªØ Ù„Ù‡ بمÙØªØ§Ø Ø§Ù„Ù…ÙˆØ±ÙˆØ« القليل، وبمÙØªØ§Ø Øب التقرب من الناس، Ùلما انتبه إليه أولع به، Øتى هدم الجدران كلها ليدخل إلى قصائده الØوار من كل جهة.
لقد كان الØوار وما زال لدى غيره، وسيلة عارضة لبناء القصيدة العمودية، Ùصار لديه كالسخرية، أساس كل قصيدة. وكان وما زال لدى غيره تقليديا ساذجا بقال Ùلان وتقول Ùلانة، Ùصار لديه عجيبا غريبا Ø®Ùيا متقنا لا يدرك Ø£Øيانا إلا بÙضل تÙكير، Øتى إنه ليرØÙ… المتلقي عنه Ùينبهه إليه بالترقيم أو التØديد الصريØØŒ ولو لم ÙŠÙعل لكان أوقع وأشد تأثيرا وإعجابا. وكان وما زال لدى غيره Øوارا لمن يستطيعه أو كأنه يستطيعه، Ùصار لديه Øوارا لكل شيء Ù…Ùدْرَك بأية Øاسة من الØواس مادية أو معنوية، ÙˆÙيما سبق نماذج صالØØ© Ù„Øواره لنÙسه ولغيره من الناس، وللجدران، ÙˆÙ„Ù„Ø±ÙŠØ ÙˆÙ„Ù…ÙˆØ·Ù†Ù‡ØŒ غير أن ÙÙŠ قوله ÙÙŠ قصيدته “وردة من دم المتنبي”:
“البراكين أمه صار أمـا للبراكــين للإرادات عـزما
كم إلى كم تÙنى الجيوش اÙتداء لقرود ÙŠÙنون لثما وضما
ما اسم هذا الغلام يا ابن معاذ إسمه لا من أين هذا المسمى
إنه أخطر الصعاليك طرا إنه يعـشق الخـطورات جـما”. ص48 – 49
نموذجا، لمدى خصب الØوار لديه وعظم طاقته Ùيه واقتداره عليه ÙÙŠ القصيدة العمودية؛ إذ تكثر الأصوات ليختلط ÙÙŠ هذا المضيق، صوت البردوني وصوت المتنبي وصوت راعي المتنبي وصوت صاØب راعي المتنبي.
[divider]